أزمة بين سوريا ولبنان بسبب مرحاض

07.11.2019 | 02:17

هذه القصة حقيقية حدثت في تاريخ هذه البلاد، ربما يستغربها القارئ او لا يصدقها، ولكنها حقيقية، وخلاصتها ان ازمة شديدة نشأت بين سورية ولبنان بسبب مرحاض، وقد كثر فيها الاخذ والرد، وطالت المفاوضات والمخابرات...

وتفصيل هذا الحادث انه كان للأستاذ معروف الارناؤط، رحمه الله، منزل صغير في بيروت، يؤجره باجرة زهيدة سنويا، فاهمله ولم يهتم به كثيرا...

وقد صدف مرة ان هذا المنزل طاف مرحاضه وعمت الروائح الكريهة ذلك الحي، مما اثار الناس، ودفعهم الى الشكوى والاحتجاج..

وجاء مفتش الصحة اللبنانية وكتب تقريرا مفصصلا الى وزارته اظهر فيه وجوب الاهتمام بهذا الموضوع حفظا للصحة العامة، وهكذا ارتات وزارة الصحة ان تبعث بانذار الى صاحب الملك ليعزل المرحاض في غضون يومين، انقاذا لاهل الحي من الروائح المتصاعدة التي تسد الانوف، ولكن صاحب الملك يسكن في دمشق فكيف يصير تبليغه!!

لقد حولت مديرية الصحة في لبنان هذا الإنذار الى وزارة الصحة، وهي بدورها حولته الى رئيس الجمهورية اللبنانية، ورئيس الجمهورية حوله الى مندوب المفوض السامي الافرنسي لدى حكومة لبنان، وهذا بدوره حوله الى المفوضية العليا التي كانت صلة الوصل بين سوريا ولبنان، وهذه حولته الى مندوبها في دمشق، ومندوبها هذا حوله الى رئيس الوزارة السورية، ورئيس الوزارة حوله الى وزير الصحة، وهذا حوله الى وزارة الداخلية، ووزارة الداخلية حولته الى مديرية الشرطة العامة وهذه حولته الى مخفر شرطة دمشق، ومديرية شرطة دمشق حولته الى مخفر الصالحية وهذا الأخير ابلغ الأستاذ معروف الارناؤط انذار مفتش صحة لبنان بوجوب تعزيل مرحاضه وتعميره...

وعندما اضطلع الأستاذ معروف على هذا الإنذار، وهو يحمل تواقيع الوزراء والمندوبين الافرنسيين ورؤساء عدة دوائر رسمية، ضحك وقال، والله لاحدثن ازمة دولية بسبب مرحاضي هذا...

واخذ الإنذار ومزقه...

ومضت أيام بدون ان يعزل المرحاض والروائح الكريهة تملا الجو وتعكر الامزجة، فاعتبرت حكومة لبنان ان حكومة سوريا تهمل بلاغاتها، ولا تهتم لانذاراتها فاحتجت على ذلك احتجاجا شديد اللهجة، واجابتها الحكومة السورية باحتجاج اشد، وكادت ان تحدث ازمة خطيرة بين البلدين الشقيقين بسبب هذا المرحاض لولا تدخل المفوضية الافرنسية في الامر، وحل المشكلة حلا دبلوماسيا انتهى الى حمل الأستاذ الارناؤط على تعزيل مرحاضه... ولما كان هذا يكلف كثيرا، وكان الأستاذ في ذلك الوقت يعجز عن تامينه لضيق ذات يده، فقد تبرع الشيخ تاج الدين رحمه الله، وكان رئيسا للوزارة، بالنفقات اللازمة لهذا المشروع، فدفعت عدا ونقدا الى المفوضية الافرنسية في دمشق، وهذه احالتها الى المفوضية العليا في بيروت، وهذه احالتها بدورها الى وزارة الصحة التي امرت حالا بتعزيل المرحاض، وهكذا انتهى الاشكال على خير وسلامة...

- نشرت هذه المادة تحت زاوية " قصص من تاريخنا الهزلي " في عدد 7  تشرين الثاني من العام 1962

اعداد : سيريانيوز


صدرت مجلة المضحك المبكي في دمشق عام 1929، وهي مجلة سياسية كاريكاتورية اسبوعية من اشهر المطبوعات السياسية الساخرة في الوطن العربي ، ويمكن اعتبارها هي من اسس الكوميديا السياسيّة على الساحة السورية ( وربما العربية).

اصدرها الصحفي حبيب كحالة ( 1898 – 1965 ) وهو درس التجارة والاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت.

أنشئ كحالة في بداية الثلاثينات من القرن الماضي مطبعة حديثة بدمشق لطباعة المجلة، وكانت تقع في شارع الملك فؤاد الأول، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1965 ، وقامت "الجهات المعنية" بإغلاق المجلة وإلغاء ترخيصها وذلك عام 1966.


TAG: