من الطبيعي والمحق عندما يراد تهجير عوائل فلسطينية من بيوتها، أن ترفض هذه العوائل ذلك وان تنشأ موجة تعاطف معهم واحتجاجات، وربما تتحول الى اعمال شغب واضطرابات..
المقاومة الفلسطينية التي تخزن الاسلحة على مدار السنين وتدرب العناصر وتضع الخطط، لها أجندتها وهي بالطبع لها تقديراتها وقراراتها مهما كان رأينا في هذه القرارات، هي موجودة لتقوم بدور ما، والمفروض أن يكون هذا الدور تشكيل قوة ردع تمنع الاسرائيلين من التمدد والتجاوز..
والشعوب في الدول المجاورة والبعيدة يمكن أن تتعاطف مع ما يجري وتخرج في مظاهرات، وتنشط المجموعات على السوشيال ميديا دعما لما يواجهه الشعب الفلسطيني من اعتداء وظلم وتهجير.. والقضية الفلسطينية العادلة ليست بحاجة لشرح والمظلمة مستمرة منذ اكثر من 100 عام..
وكلنا بالطبع في مثل ما يجري اليوم ننخرط في الأحداث، ونتسمر أمام شاشات التلفزيون غالبا تلك التي تبث باللغة العربية والتي تنصر القضية الفلسطينية ونسمع لمحللين ونتابع المأساة.. المأساة في غزة المأساة في القدس في حيفا في المدن المختلطة..
حسنٌ
دعوني انقل لكم جانب آخر من القصة..
الجانب الذي يبين كيف تستثمر اسرائيل في مثل هذه الأحداث..
اذا تابعنا وسائل الاعلام الناطقة باللغة الانكليزية سنجد مثلا بان هذه الصورة انتشرت بشكل كبير وتم الحديث عنها وتحليلها وبناء صورة ذهنية لدى كثير من الرأي العام الغربي بناءا عليها..
رشقة صواريخ بدائية تخرج من غزة تستهدف المواطنين المدنيين في المدن الاسرائيلية، وصواريخ تعمل وفق نظام تكنولوجي متطور تطلق لاعتراض الصواريخ المهاجمة وتدميرها دفاعا عن المدنيين الآمنين..
هذا ما يتم الحديث عنه..
ويتم تناقل ذات الصور التي فرحنا لها وهللنا، الذعر في المطارات المدنية، الجري على شواطئ المصطافين، نزول المدنيين الاسرائيلين الى الملاجئ.. ينقلون نفس الصور ولكن التعليق يختلف.. التعليق يركز على ان هؤلاء ضحية.. وتشاهد في مقابل مشاهد تنقل من غزة مشاهد تنقل من تل ابيب لضحايا مدنيين وعجوز اسرائيلي دمر بيته يسأل ماذا يريد هؤلاء العرب منا؟
وفي مشاهد اخرى الاشتباكات واعمال العنف بين السكان في المدن المختلطة، يهود يحطمون مقاهي ويشعلون قنابل المولوتوف، وعرب يردون ويكسرون السيارات ويضربون اليهود مع بعض حوادث الطعن المشهورة.. التي ايضا نهلل لها انتقاما.. ويحرص الاعلام الاسرائيلي والغربي على تغطيتها ولكن لغايات اخرى..
تستثمر اسرائل هذه الاحداث في نقل رسالة الى العالم مفادها
في غزة القطاع المسكون ب 2 مليون فلسطيني، من وسط هؤلاء هناك قوة عسكرية لديها القدرة على إمطار اسرائيل بالصواريخ وقتل السكان فيها، واسرائيل تحاول من خلال القبة الحديدية منع هذا ولكن هذا لا ينجح دائما.. والخطر مستمر على حياة الناس فيها..
العيش في المدن المشتركة حيث تشكل نسبة العرب 20% غير ممكنة والوضع بهذه الطريقة يهدد السلم الأهلي ولا نستطيع ان نمنع السكان من الاشتباك وتقويض الامن والاستقرار في هذه المدن..
هذه هي الرسالة..
وبالمناسبة هي لا يهمها كثيرا عدالة القضية، وقياس الرأي العام مع من يتعاطف، هي تصدر للرأي العام أزمة.. وجود قطاع غزة ازمة ووجود العرب الى جانب اليهود ازمة في الضفة الغربية والمدن المشتركة..
ازمة تهدد امن الدولة التي لها علاقات مع كل دول العالم وسفارات ومصالح حيوية، ازمة كلما اشتعلت تتوقف الحياة والمطارات والمصالح..
ازمة لا بد للدولة اليهودية ان تقوم بايجاد حلول نهائية لها.. وما هي الحلول برأيكم في هذه الحالة!؟ سؤال مطروح
اذاً ما الحل؟ أن يصمت الفلسطينيون ويقبلون الظلم والضيم، ويقابلون كل الاجراءات الاسرائيلية بالقبول؟
بالطبع لا.. اساسا لا يمكننا التحكم في هذا الجانب، فمن يتم دعوته للخروج من بيته لن يصمت مهما تكلمنا معه، ولن نستطيع جيرانه واهل مدينته الا من التعاطف معه.. وفي حسابات الامر الواقع هناك فصائل مسلحة في ظرف ما ستتدخل لتثبت بانها موجودة وتقوم بالدور المفروض ان تقوم به..
مرة اخرى، هناك شيء ناقص.. تكلمت عنه في تسجيل سابق، قدرات لاستثمار القوة، قدرات في غير مجال التسلح، قدرات ما بعد التسلح، قدرات دبلوماسية واعلامية وعلاقات عامة ترتكز على بحوث ودراسات يقوم بها مختصون مرتبطون بأصحاب القرار..
الفوضى والاضطرابات تحتاج لطرفين، ولكن الطرف المنتصر دوما هو من يستطيع ان يستثمر هذه الحالة لمصلحته ويهيئ الطريق للمضي في هدفه الاستراتيجي النهائي..
الصواريخ ليست كل شيء في المعركة، القوة العسكرية (العضلية) بدون عقل، سيتم استثمارها من قبل الأعداء، بثمن بعض الصواريخ اذا كانت الجهات التي تورد الصواريخ الى فلسطين ولبنان وسوريا صادقة في نواياها وقادرة على المواجهة التي تضع هذه الشعوب فيها.. يجب أن نعمل على الجزء الناقص.. على امتلاك العلوم التي تعطينا القوة في باقي المجالات..
ارسال الصواريخ وفقط.. والتدريب العسكري وفقط.. وتحويل المجتمع الى عناصر مقاتلة وفقط والباقي الى ضحايا فقراء يسعون وراء لقمة العيش.. هو مخطط الاعداء الذي نقوم فيه بدورنا كما خطط هم لنا..
هذه ليست أول معركة في فلسطين، عشنا عشرات المعارك المشابهة وماذا كانت النتيجة.. دائما استثمار إسرائيلي يحقق اهداف الدولة اليهودية.. في فلسطين وغيرها.. حتى اننا اليوم مهددون جميعا ان لا يبقى لنا في أوطاننا موضع قدم..
نضال معلوف
للمزيد من الاراء حول مختلف القضايا المحلية والعربية... تابع قناة اليوتيوب ..اضغط هنا