هربت من ظلام داعش لتبدأ من جديد الحياة في النور
صورة تعبيرية
أطلت نور من نافذتها وووقفت تتأمل المارة في الشارع من نساء ورجال وأطفال بملابسهم الملونة وهيئاتهم المختلفة، وكأنها تستعيد بعضا من ذكرياتها القديمة وقالت وهي تداعب خصلات شعرها المتطاير بيد مرتعشة “بنفس هذه الطريقة كنا نعيش في الرقة قبل أن يأتي أصحاب الرايات السوداء”.
ولم تكن كلماتها تلك سوى بداية حكاية طويلة لم تتردد في سردها، برغم نبرات الألم وربما الخوف التي ظهرت بين الفينة والأخرى على صوتها، رغم أنها تعيش الآن في قرية الريحانية التركية بعيدا عن سيطرة ما يعرف بتنظيم الدولة (داعش) الذي استطاعت بعد جهد أن تهرب من ملاحقة كتيبته النسائية المتخصصة في ملاحقة الفتيات كاشفات الوجوه ومعاقبتهن بعنف، وهي ما تعرف بكتيبة الخنساء.
وتقول نور” مازالت يدي اليسرى تؤلمني نتيجة الكسر الذي أصابها بعد هجوم مباغت لكتيبة الخنساء على فصلنا الدراسي عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، كنت أرتدي الحجاب ولكن ليس النقاب، فانهلن على ضربا بكل منطقة بجسمي، وعندما لم أعد قادرة على الوقوف على قدمي، شدتني إحداهن من شعري وصرخت يامرتدة .. ياسافرة”.
وليست نور الضحية الوحيدة التي تعرضت لمثل هذا العنف على يد مسلحات داعش بسبب عدم التزامها بما فرضه التنظيم من إجراءات صارمة في المناطق التي سيطر عليها في سوريا، ولكنها من بين القلائل ممن قدر لهن الخروج من هناك، لتروي بعضا مما يحدث في تلك المدينة الرابضة على نهر الفرات المتدفق بالحياة والحرية قادما من تركيا ومتجها نحو العراق.
وقد وثقت حملة الرقة تذبح بصمت التي تخصص أعضاؤها منذ العام 2014 في توثيق انتهاكات داعش بحق المدنيين عددا كبيرا من اعتداءات كتيبة الخنساء بالضرب أوالاعتقال لفتيات تتهمهن بتهم تبلغ حد السذاجة مثل عدم لبس الجوارب أو ارتداء حذاء بلون غير الأسود أو عدم تغطية العيون.
ولقي عدد من مؤسسي الحملة حتفهم على يد داعش وقتل اثنان منهم في مدينة أورفا التركية بطريقة بشعة، غير أن الحملة واصلت رصدها للانتهاكات بشكل سري، وأثارت إجراءات داعش الكثير من الانتقادات في الغرب، كما عبر عدد كبير من علماء الدين المسلمين عن رفضهم لها ووجدوا فيها تطرفا لا يتناسب مع المرحلة الراهنة، بل رأي بعضهم أنها مخالفة للشرع الذي تقول داعش إنها تسعى لتطبيقه في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ومن بين هؤلاء الداعية الإسلامي الشيخ عدنان القراط الذي درس في معاهد دمشق الشرعية وكان إماما وخطيبا لعدد من مساجد مدينة حلب والذي قال "لا يجوز إجبار الناس والاقتصاص منهم لأشياء لم يسن الإسلام العقوبة فيها كالتدخين وكشف وجه المرأة والصلاة في المسجد، وداعش خالفت كل هذا التشريع، وخالفت الإجماع وجعلت من الإسلام أداة قتل وذبح وإقامة حدود ووسعت ما هو ضيق فخالفت شرع الله باسم شرع الله”.
وكانت منظمة هيومان رايتش ووتش قد وثقت سبي داعش للنساء اليزيديات بالعراق بعد سيطرة التنظيم على الموصل في عام 2015، كما قالت المنظمة الدولية إن التنظيم أجبر بعض النساء والفتيات الصغيرات على الزواج من أعضائه
وقد أكد التنظيم في أكتوبر كانون الثاني الماضي أنه يقوم باسترقاق النساء وقدم مبررات دينية لذلك وهو ما أثار كثيرا من الإدانات على المستوى الدولي والمحلي، فضلا عن إدانة العنف والعقوبات الفظيعة التي فرضتها داعش والتي يقول عنها الشيخ القراط "إن ذلك ليس من الشرع ولا من شرائع السماء كافة وهذا فعل من أفعال من تشبعت نفوسهم بالكره والبغضاء لدين الله، والنبي صلى الله عليه وسلم أتته امرأة تقول له يارسول الله أنا حامل من الزنا فيقول اذهبي حتى تضعي الحمل، ثم تأتيه بعد الوضع فيقول لها اذهبي فأرضعيه عامين”.
بالنسبة لنور التي لم تخرج للشارع ولم تعد للمدرسة، منذ ماحدث معها إلى أن غادرت الرقة بصحبة والدها إلى تركيا لخوفة من التعرض للضرب مرة أخرى فإن ما يعنيها الآن أن تتقن اللغة التركية اللغة بينما التحقت بمدرسة لتعليم المهن اليدوية، ولم يعد يعنيها كثيرا أن يرى الناس شعرها المتطاير عبر النافذة.
TAG: العنف الجنسي، فيتشر