وجهة نظر مع نضال معلوف
اللامركزية .. انتخابات الغفلة ، القادمة ..
وانا اتابع اخبار انتخابات المجالس المحلية في سوريا المزمع اجراؤها في منتصف ايلول القادم تذكرت حادثة طريفة حدثت في دمشق قبل الازمة.
حيث زار الرئيس بشار الاسد وعقيلته تركيا ، وبعد عودتهما من الزيارة فوجئنا بوضع اجهزة التنبيه الصوتي الخاصة بالمكفوفين على الاشارات الضوئية ، وبعدما سألت عن سبب وضع هذه الاجهزة " في ليلة مافيها ضوء قمر" علمت بان الرئيس وعقيلته شاهدوا هذا النظام في تركيا واعجبوا به وقرروا اعتماده في سوريا.
وهو بالطبع امر جيد وحضاري ، ان يقف الانسان على اشارة المرور ويتنبه الى مدى حساسية المجتمع للمكفوفين ويقدر عمل الحكومة بوضع اجهزة التنبيه الصوتي هذه لمساعدة اصحاب الاحتياجات الخاصة للاعتماد على انفسهم.
ولكن ما فات الرئيس والمسؤولين عن الموضوع وقتها بان هذا الجهاز يجب ان يكون ضمن نظام متكامل ، يتضمن وضع اشارات ناتئة على جميع طرقات المشاة في المدينة وفي المنشأت العامة والشركات الخاصة الكبرى ، ليتمكن المكفوف اولا من الخروج من بيته والوصول الى حيث الاشارة ومتابعة الطريق الى وجهته ، وكان هذا النظام غائب كليا في شوارع ومنشآت سوريا طبعا.
اما وضع الجهاز ( التنبيه الصوتي ) على الاشارات بدون وجود هذا النظام المتكامل هو امر مثير للسخرية ، فماذا يفعل المكفوف المسكين قبل ان يصل الى الاشارة وبعدها.
وينطبق هذا على الانتخابات القادمة التي سمع البعض من السوريين بانها ولاول مرة في تاريخ سوريا تعتمد على نظام "اللامركزية الادارية" وهو مصطلح غير واضح في ذهن السوريين ، واعتقد بان غالبيتهم الساحقة لم يسمع بالقانون رقم 107 الذي صدر في العام 2011 ( ولم يطبق حتى اليوم ) وهو الاساس الذي ستقوم عليه هذه الانتخابات التي من المفترض ان تعطي صلاحيات واسعة للمجتمعات المحلية في ادارة وتطوير مناطقها.
ورغم ان عملية الترشح بدأت وانتهت والسوريون مقدمون على هذا اليوم التاريخي الذي سيعتمدون فيه لاول مرة في تاريخهم كما ذكرت نظام "اللامركزية" فانني اعتقد بان معظم السوريين لم يدركوا او لم يسمعوا اساسا بهذا الكلام.
الاهم من ذلك بان القانون 107 بدا وكانه قانون ( سري ) لم يروج له ولم تقم الحكومة بالتعريف فيه ولا شرح الفروقات التي تميز هذه الانتخابات عن سابقتها.
واذا ذهبنا اكثر من ذلك فان القانون ذاته وبحسب قراءة متأنية له يأخذ باليد الشمال ما اعطاه للمجتمعات المحلية من مكاسب باليد اليمين ..
فعمليا الذي يشرف على عمل المجالس المحلية بحسب القانون هو هيئة محدثة اسمها " المجلس الاعلى للادارة المحلية ".
ومن المفترض ان تتكون من رؤساء المجالس المنتخبين وان يكون لهؤلاء الحيز الاكبر من صلاحيات اتخاذ القرار ليحافظوا على جوهر القانون الذي يعطي المناطق حق الادارة الذاتية ( المدنية ) .. ولكن وبحسب بنود القانون فاننا نجد ان رؤساء المجالس المحلية المنتخبين يشكلون اقلية في هذا المجلس ، ونجد رئيس المجلس ( اللامركزي ) هو رئيس مجلس الوزراء ممثل السلطة المركزية ، وكذلك نائب الرئيس هو وزير معين ايضا ، ويضم كذلك اعضاءا هم المحافظون ونواب للمحافظين وكلهم يعينوا من قبل السلطة التنفيذية ويأتمرون بامرها ، ويشكل رؤساء المجالس المحلية اقلية في المجلس ، فكيف يمكن ضمان صدور خطة لا مركزية واعتماد النهج اللامركزي من خلال مجلس معين ويعمل بامر السلطة المركزية؟!
الاهم من ذلك بان رئيس المكتب التنفيذي في كل محافظة هو مسؤول غير منتخب ، ويشغل هذا المنصب بحسب القانون المحافظ المعين ايضا بمرسوم من رئيس السلطة التنفيذية المركزية ، ويطرح السؤال نفسه هنا كيف لمجلس منتخب ان يعمل بامرة رئيس معين بمرسوم؟
واذا تجاوزنا كل هذا ، ينص القانون 107 على وجوب اقرار خطة وطنية لا مركزية بعد 6 اشهر من صدور المرسوم ( المرسوم صدر في العام 2011 ) وتشكيل لجان للتنسيق بين السلطات المركزية ( الوزارات ) وبين المجالس لنقل الصلاحيات اليها ، والغريب بانه مر اكثر من 7 سنوات على صدور المرسوم ولم تعلن أي خطة وطنية ولم تشكل أي لجان ! وماذا يفعل غدا الاعضاء المنتخبين بدون خطة ولا صلاحيات مع غياب لجان التنسيق وبالتالي غياب الصلاحيات المنقولة اليهم من الوزارات؟
بالنتيجة من ناحية الشكل فانه اصبح لدينا نحن السوريين قانون متطور لادارة المجالس المحلية بما يضمن وجود هيكل وضوابط يعطي الفرصة لابناء كل منطقة لتنمية وتطوير مناطقهم بعيدا عن تدخل السلطات المركزية ، ولكن من حيث المضمون والتنفيذ الى اليوم " وكأنك يا زيد ما غزيت" لن يتغير شيئا على ارض الواقع .. واساسا لم يعرف السوريين بانه هناك شيئا قد تغير ليمضوا على اساسه ..
لان الرسالة اساسا موجهة للخارج ، فبعد كل الذي حصل في سوريا تشظي الارض السورية بين القوى المتصارعة داخليا وخارجيا ، فان الحل السياسي المفروض على النظام يركز على موضوع "اللامركزية" وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات في سياق التوجه للنظام الديمقراطي .. الخ
وهكذا اوجدنا القانون ( على عيون الخارج المتربص بنا ) .. وفرغنا القانون كالعادة من مضمونه على مستوى التنفيذ ( الداخل ) ..
ومن يهتم اصلا ؟ طالما ان "الغفلة" هي المسار الذي اعتمدناه منذ عقود لنسير فيه ..
نضال معلوف