سوريا الجديدة لم تعد تنتظر شهادة حسن سلوك من أحد. فرنسا تذكرت فجأة أن الأسد قتل الصحفيين في حمص عام 2012، فأصدرت مذكرات توقيف. شكرًا باريس… تأخرتم 13 سنة، لكن لا بأس، المهم أن تصل العدالة ولو على ظهر سلحفاة.
وفي الوقت نفسه، نشرت العفو الدولية تقريرًا عن مجازر السويداء، وكأنها تقول: "أيها العالم، هذه ليست إشاعات واتساب، هذه وثائق موثقة". الفارق أنّ الدولة الجديدة لا تخفي رأسها في الرمل، بل تواجه الماضي بجرأة: "نعم، هذا تاريخ أسود… ونحن هنا لنطويه لا لنخفيه".
وفي طرطوس، وبعد 14 سنة من الركود، غادرت أول شحنة نفط: 600 ألف برميل. البعض ظنّ أن الميناء لم يعد يصدر إلا ذكريات، فإذا به يرسل نفطًا بدل السردين. وفي الداخل، جاءت إصلاحات الاتصالات فأزعجت بعض الموظفين، لكن كما يقول المثل: "من يريد العسل عليه أن يتحمل لسع النحل"، ومن يريد دولة حديثة عليه أن يقبل قرارات ليست دائمًا شعبية.
أما قسد، فهي مثل ضيف ثقيل على العشاء: تركيا تدعوها للجلوس مع الجيش السوري، أمريكا تقول لها "كفاكِ احتكارًا للنفط"، وإسرائيل تلوّح من بعيد. والرسالة واضحة: "الكرسي ليس لك وحدك… إمّا تندمج أو تنهض وتغادر".
وفي الإعلام، شهدنا مسرحية "المؤثرين من أجل سوريا" في حلب، حيث ظهر يوتيوبر محاطًا بأمن أكثر من جمهوره. الجمهور ضحك وسأل: "هل هذا مؤتمر أم فيديو كليب؟" بينما الحقيقة أن المؤثر الحقيقي هو الممرضة التي تواصل عملها رغم انقطاع الكهرباء، لا صاحب الفلتر الوردي على تيك توك.
سوريا الجديدة تقول للعالم: "زمن الشعارات انتهى، وزمن الدولة بدأ. وإذا لم تصدقوا، راقبوا الأخبار… أو تعالوا إلى طرطوس لتروا النفط يغادر الميناء بدلًا من السردين." فهي لا تحتاج إلى "تيك توك" يلمّع صورتها، بل تحتاج إلى طرق بلا حفر ومستشفيات بلا انقطاع كهرباء. المؤثر الحقيقي هو عامل الإسعاف الذي يصل في الوقت المناسب، لا صاحب الفلتر البنفسجي. ولعل الأهم أن الناس لا يريدون خطبًا عن "الوحدة الوطنية" بينما الحفرة على الطريق أوسع من الوحدة نفسها.
وسط هذا كله، تُضبط الحدود، ويسقط الأردن بالونات المخدرات، وتتحدث تركيا عن "فرص تاريخية"، ويدين الخليج الاعتداءات الإسرائيلية ويدعم سوريا، فيما يعود اللاجئون من الأردن بخطة أممية. وحتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي عثرت على يورانيوم في دير الزور، جاءت تسأل: "ما هذا؟" فأجاب أحمد الشرع: "بكل شفافية، نساعدكم لتعرفوا". في عهد الأسد كان الجواب: "يورانيوم؟ هذا بهارات شاورما!"
الخلاصة؟ سوريا الجديدة تسير في طريق طويل، لكنه واضح: دولة قانون لا دولة شعارات. نفط يُصدَّر لا يُهرَّب، عدالة تفتح ملفات لا تدفنها، إعلام يكشف الحقائق لا يلمّع الصور. ومن لا يصدق، فليزر طرطوس… فالسردين لم يعد الخبر الوحيد هناك.
----------------------------------------------------------------------------------
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]