صراع الإرادة الدولية وشكل الحكم في سوريا... بقلم : مروان
منذ سقوط نظام بشار الأسد الهارب، تعيش سوريا حالة من التخبّط بين رؤى مختلفة لمستقبل الحكم فيها. فبين من يطمح إلى إقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة، ومن يؤمن بدولة مدنية ديمقراطية علمانية تقوم على القانون، يبقى الصراع الأكبر هو التدخل الدولي في تشكيل ملامح الدولة السورية.
الواضح اليوم أن هناك إرادة دولية تسعى لتحسين الوضع الأمني والاقتصادي في سوريا، مع إتاحة قدر من الحريات والحياة المدنية. غير أن هذا التوجه يواجه صراعاً داخلياً محتدماً بين تيارات مختلفة؛ فمن جهة هناك جماعات محسوبة على "الهيئة" تحظى بقاعدة شعبية لا يمكن إنكارها، ومن جهة أخرى هناك قوى دولية، تقودها تركيا ودول الخليج بدعم وموافقة أمريكية وأوروبية، تسعى إلى بناء نموذج حكم مدني أكثر توافقاً مع السياقات العالمية.
لكن يبقى السؤال: هل تستطيع هذه الدول تشكيل دولة سورية مدنية تشبه غالبية دول العالم، أم أن بعض الأطراف ستعرقل هذا المسار لصالح رؤى خاصة بها؟ وسط هذا الصراع، يجد الشعب السوري نفسه الحلقة الأضعف، وقد أنهكته سنوات الحرب، وأصبح همه الأول تأمين لقمة العيش والأمان، دون اهتمام كبير بالشعارات السياسية والصراعات الأيديولوجية.
إن سوريا لا يمكن أن تكون دولة بلون واحد أو بطابع ديني واحد فقط، إذ لن يحقق ذلك طموحات الشعب في التنمية والرفاهية والاستقرار. من الضروري أن ندرك جميعاً خطورة الطرح الإقصائي، وأن نعمل معاً لتأسيس دولة شاملة لكل مكوناتها، تلبّي تطلعات السوريين بمختلف توجهاتهم.
إذا كان خيار الشعب السوري يتماشى مع المصالح الدولية في بناء دولة حديثة ضمن محور التنمية والاقتصاد والاستقرار، فلماذا لا يكون ذلك هو المسار الأمثل؟ لماذا لا تكون سوريا جزءاً من محور اقتصادي وتنموي مع تركيا والخليج وأوروبا وأمريكا، بدلاً من البقاء في دائرة الفقر والحروب والصراعات؟
لكن مما لا شك فيه أن تحقيق هذا النموذج ليس بالأمر السهل، فالصراع الداخلي بين القوى المختلفة يزداد وضوحاً، سواء داخل الحكومة أو في الشارع، وحتى في الخطاب السياسي الذي يتأرجح بين مغازلة الغرب تارة والتمسك بخيارات أخرى تارة أخرى.
ومع هذا كله، فإن الواقع يشير إلى أن سوريا تقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي، حيث لم يعد بالإمكان الاستمرار في حالة الفوضى والصراعات المفتوحة إلى ما لا نهاية. على القوى السياسية والاجتماعية إدراك أن الحلول الترقيعية لن تجدي نفعاً، وأن بناء دولة مستقرة يتطلب التوافق على مشروع وطني جامع بعيداً عن الإقصاء والتطرف.
إن الشعوب التي تنهض من الحروب لا تفعل ذلك إلا من خلال رؤية واضحة للمستقبل، وإرادة جماعية تتجاوز الانقسامات وتضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً خلال السنوات الماضية، ولا يمكن أن يكون مصيرهم الاستمرار في معاناة لا تنتهي بسبب خلافات أيديولوجية أو مصالح ضيقة.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع السوريون تجاوز هذه التحديات ورسم مستقبل دولتهم بأيديهم، أم أنهم سيبقون أسرى لصراعات إقليمية ودولية لا تخدم سوى مصالح الخارج؟
---------------------------------------------------------------
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل info@syria.news