واقع العمل الإنساني في سوريا: بين التحديات والفساد...بقلم: مروان
شهد العمل الإنساني في سوريا، وخاصة في مدينة حلب، خلال السنوات الأخيرة، تحديات كبيرة ومتغيرات معقدة عكست واقعًا متباينًا بين الجهود المبذولة لتقديم المساعدة والمشاكل التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة. من خلال تجربتي الممتدة من عام 2014 وحتى 2022، تنقلت بين عدة منظمات إنسانية، بدءًا من جمعية "أهل الخير" ووصولًا إلى منظمة "الهلال الأحمر العربي السوري"، حيث عايشت واقع العمل الإنساني عن قرب، بما له وما عليه.
بداية متعثرة: الفساد والمحسوبيات
عندما انضممت إلى جمعية "أهل الخير"، كان هدفي المساهمة في تخفيف معاناة المواطنين الذين أنهكتهم الحرب. لكن سرعان ما واجهت صدمة الواقع. فقد سيطرت المحسوبيات والواسطات على عملية توزيع المساعدات. كانت السيارات الفاخرة تقف لاستلام حصصها دون انتظار، بينما كان المواطنون العاديون يقفون في طوابير لساعات. هذه التجربة، التي استمرت قرابة العام، كانت كافية لإثارة الشكوك بداخلي حول جدوى هذا العمل، مما دفعني لترك الجمعية.
الهلال الأحمر العربي السوري: تجربة أفضل، لكن غير مثالية
انتقالي إلى العمل في منظمة "الهلال الأحمر العربي السوري" كان بمثابة فرصة جديدة. كان الجو أكثر احترافية، وشهدت رغبة كبيرة من الشباب في تقديم المساعدة رغم الظروف الصعبة. إحدى أهم التجارب التي عايشتها كانت مشاركتي في عمليات الإخلاء والتبادل بين الجيش الحر والنظام. من أصعب اللحظات كانت عملية إخلاء المدن الأربعة (الغوطة وكفريا والفوعة) التي تمت في منطقة الراموسة بحلب.
لكن حتى في الهلال الأحمر، لم يكن العمل خاليًا من الفساد. لاحظت تجاوزات وعلاقات مشبوهة بين بعض المسؤولين والتجار، الذين استغلوا الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية. في إحدى المرات، اكتشفت مستودعات ضخمة تحتوي على معونات محتجزة في حي الموكامبو، مخصصة ظاهريًا للنازحين، لكنها كانت تُستخدم لخدمة مصالح شخصية لضباط ومسؤولين.
العمل الإنساني: بين الإصرار وخيبة الأمل
رغم كل التحديات والشكوك، دفعتني رغبتي في مساعدة الناس للاستمرار في هذا المجال لمدة ست سنوات. كان هناك أشخاص وهبوا حياتهم للعمل الإنساني، من أطباء ومتطوعين شرفاء، لكنهم كانوا قلة وسط بحر من الفساد والمصالح الشخصية.
مع مرور الوقت، شعرت أن هذا العمل لم يحقق الغاية التي سعيت إليها. لم يكن هناك تقدير للجهود، بل نظرة شك واستعلاء من الناس وحتى من المسؤولين في المنظمة.
نهاية الرحلة
لحظة تقديم استقالتي كانت مليئة بالمشاعر المتناقضة. ذهبت إلى مسؤولة الموارد البشرية وقدمت استقالتي، لكنها لم تكلف نفسها حتى قول كلمة "شكرًا". كانت هذه اللحظة كافية لتلخيص كل ما مررت به: إحساس بالخذلان وضياع سنوات من العمل الذي لم يُثمر كما توقعت.
العمل الإنساني في سوريا، كما عايشته، لم يكن في كثير من الأحيان سوى مرآة للفساد الذي استشرى في مختلف مؤسسات الدولة. ورغم كل شيء، يبقى الأمل معلقًا على قلة من الأفراد الذين يعملون بصدق وإخلاص، حاملين على عاتقهم مسؤولية دعم المحتاجين في ظل ظروف قاسية.
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة على سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل info@syria.news