ضربات لمخلوف تحت الحزام.. من يحكم سوريا اليوم؟..
طالما كان آل مخلوف وعائلته من المقدسات في سوريا على طول سنوات حكم الرئيس السابق حافظ الاسد وبعده بشار الاسد، كانوا خط احمر شديد القتامة، فهناك علاقة بنيوية بين العائلتين (الاسد ومخلوف) لا يصلح ان تهتز لان هذا يعرض البناء كله لخطر الانهيار..
يوم امس كان هناك مطالبة علانية بشكل غير مباشر لآل مخلوف الذين يسيطرون على شركتي الاتصالات العاملتين في سوريا "سيرياتيل" و "ام تي " بتسديد 234 مليار ليرة سورية (234 مليون دولار) لصالح مؤسسة الاتصالات الحكومية وتم اعطائهم مهلة اسبوع لتسديد المبلغ المستحق.
حدث يستحق التأمل والتفكير.. وبعض الشرح للذين لا يعلمون طبيعة العلاقة بين العائلتين (الاسد ومخلوف)..
ببساطة يمكن ان نقول بأن عائلة مخلوف ورأسها أحمد مخلوف خال الرئيس السوري الحالي بشار الاسد هي "خزنة" مصرف عائلة الاسد.. فمعظم الواردات المالية من النشاطات الاقتصادية والاعمال التجارية (الشرعية وغير الشرعية) التي تخص عائلة الاسد موجودة في خزنة آل مخلوف..
فاذا شبهنا العلاقات المالية لآل الاسد بأنها تتم من خلال مصرف يوجد فيه حراسة واستقبال واقسام متعددة يقوم بها "موظفون" يتم تغيرهم ونقلهم وتعيينهم حسب الحاجة.. إلا أن نواة هذا المصرف وقلبه النابض الذي يحمل القيمة الحقيقية، هو عائلة مخلوف، وهذه العلاقة تعود الى العام 1984.. وهي الى اليوم على هذا الحال..
هذا الشرح ضروري في سياق هذا المقال لكي نفهم ما يجري اليوم.. ولكي نؤكد بأن ما يجري من استهداف لمخلوف لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون وراءه الرئيس السوري بشار الاسد.. لان هذا الفعل هو كمن يقوم بإضعاف نواة بنائه ومركز قوته..
اذاً ماذا يحصل؟
الحقيقة بأن وضعا جديدا "شاذا" اصبح مفروضا في سوريا.. والقصة معروفة ولكنها بحاجة الى ان تعرض في سياق واحد مكثف..
نظام آيل للسقوط تدخلت دولة عظمى لكي تنقذه، واصبح النظام قائما في معظم اساساته على اسنادات هذه الدولة، عسكريا، امنيا، اداريا، اقتصاديا.. رأس النظام صحيح موجود وباق.. ولكن ماذا عن باقي اعضاء الجسد من الرقبة الى القدمين الى الارضية التي تستند عليها هاتان القدمان؟..
من الصعب الوصول الى توصيف دقيق لمدى سيطرة روسيا على القرار السوري، ولكن هي تسيطر عليه الى حد كبير.. والاهم انها تتعامل مع النظام اليوم في سوريا على انها شريك ولها مستحقات.. فالدعم الروسي الذي يقدر بمليارات الدولارات لن يقدمه الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الى الاسد.. هبة.. هكذا بالمجان..
فهو بالاضافة الى المكاسب السياسية والجيوسياسية والاقتصادية التي تتمثل في خطط استثمار مستقبلي في اعادة البناء والسيطرة على قطاعات بعض الثروات.. هناك تكاليف لا بد من تسديدها بشكل مستمر تغطي نفقات التواجد العسكري والاداري والعمليات التي تقوم بها روسيا بالنيابة عن النظام السوري.. لا بد من الدفع وان كان النظام عاجز عن هذا ممثلا برئيسه او برئاسته.. فلا بد من الآخرين ان يفعلوا ذلك.
وكلمة الآخرين هذه يشغل رامي مخلوف وعائلته اكثر من 70% منها، فبجانب بعض الاذرع المرتبطة بالرئيس ذاته او بشقيقه ماهر الاسد ، التي من خلالها تتم السيطرة كليا على كامل الاقتصاد السوري، يبقى لمخلوف في كل هذا حصة "الاسد" حرفيا..
باختصار روسيا تريد "نقودها"، هي في سوريا مثل اي مافيا تقوم باعمال لصالح طرف، وتستحق ديون على هذا الطرف ولا بد من ان يسدد ما عليه.. يبدأ الامر بتهديد مبطن ومن ثم تتصاعد الضغوط لتصل الى تهديد مباشر، فضائح، ضرب اعمال هذا الطرف في الصميم.. الخ.. في النهاية هذا "السوق" (سوريا) اصبحت لروسيا وعلى العملاء الصغار ان يدفعوا ما يترتب عليهم من ديون..
ربما لم ينتبه البعض في فضحية تهريب المخدرات لرامي مخلوف التي ضبطت بمصر، لجزئية هامة تقول بان ضبط المخدرات كان بناءا على اخبارية!..
ومن هذا الذي يمتلك المعلومات ليخبر عن مخدرات مخلوف والاسد، وما هذه الشفافية التي يتعامل فيها السيسي مع الموضوع ويقوم "بتلبيس" الجريمة بشكل كامل لرامي مخلوف من خلال تفاصيل لم يكن مضطرا الى ذكرها بالاعلام.. مثل ماركة الحليب، مثل ان العلب كانت بتقفيل المصنع.. الخ".. هذه الامور لا تحدث مصادفة.. انها ضربة من تحت الحزام لاهم الاعمال التي تمول النظام السوري اليوم وخزانه المالي آل مخلوف..
حسنٌ لا تريد ان تدفع.. سنطالبك بديون طائلة متراكمة للدولة عليك!..
ليس شائعا ابدا ان يتم مطالبة مخلوف بملايين الدولارات عبر الاعلام.. ولن يقوم الاسد حكما بهذا العمل لانه كما شرحنا آنفا هو كمن يطعن نفسه.. وهذا يدلل على ان في الحكومة السورية وفي المؤسسات المختلفة (حتى في الرئاسة) اصبح هناك كلمة لروسيا يمكن ان تضغط لكي تحصل حقوق "الاصيل" (الروس) على الوكيل (نظام الاسد)..
وهذا لا يحدث اقتصاديا بالمناسبة وفقط.. روسيا تتجه بسوريا اليوم كما تشاء حتى في السياسة وفي العلاقات الدولية هي من يضع خط سير علاقات النظام السوري فيما اذا كان سينجز هدنة مع تركيا او يحضر مؤتمرا في الاستانة او يشارك في لجنة دستورية..
هذا كليا لم يعد في يد النظام.. الحقيقة انه في يد بوتين بشكل كبير..
ربما لم تصل السيطرة الروسية ليعامل بوتين الاسد على انه موظف في قصره الرئاسي، ولكنه بدون ادنى شك (يسعى الى ذلك)، واليوم يمارس عليه الضغوط عبر الاوراق الكثيرة التي بات يملكها ضده وهي اوراق قادرة على تثبيت الاسد كليا وضمان انصياعه لرغبة بوتين بشكل كبير..
كلنا نتذكر الحملات الاعلامية التي كان وراءها الاعلام الروسي بشكل مباشر او غير مباشر عبر السنوات الماضية لاضعاف الاسد واظهاره بصورة التابع لروسيا..
كان آخر هذه التقارير نقاش عبر وسائل اعلام روسية (شبه رسمية) حول مستقبل الاسد في سوريا ومدى صلاحيته في المرحلة المقبلة.. ضغوط اصبحت تصاغ في روسيا وتنفذ في سوريا.. اقتصاديا نضغط على مخلوف وسياسيا تضغط على الاسد وفي النهاية قرار الصديق "الداعم" هو القرار الذي سيطبق..
فوراء الحملة الاعلامية الروسية الاخيرة كان انحراف الاسد عن السياسة الروسية المرسومة للعلاقات السورية التركية، وظهور تقارب بين الاسد والامارات في استهداف مصالح تركيا (التي ستؤثر على الاتفاقات التركية الروسية وبالتالي على مصالح روسيا).. بعض التعنت او محاولة الحصول على هامش خاص يتحرك فيه الرئيس الاسد، اثارت عليه حملة هددت وجوده.. وتسببت في صدور رسائل مباشرة من موسكو الى العالم كله.. بان القرار لم يعد في دمشق بعد الان.. وان من يتولى الملف السوري (لا شك باتفاق دولي) هو سيد القصر بوتين..
ينصاع الاسد لقرارات موسكو وتتراجع الحملة الاعلامية.. وتظهر تبريرات الكل يعلم بانها مضحكة، من قبيل ان الصحافة حرة في روسيا وان الحملة على الرئيس السوري كانت من قبل بعض معارضيه.. وان المواقع الروسية التي نشرت هذا الكلام تمت قرصتنها.. الخ..
وكذلك قضية مخلوف.. ستنتهي على الاغلب بان يدفع ما عليه للقيصر (بوتين).. الآمر الناهي اليوم في سوريا.. مبالغ ليست بقليلة ودفعها مؤلم لعائلة تعودت ان تجمع الثروة ولا تنفقها.. ولكن لا بديل امامها اليوم الا الدفع لكي تتجنب بلاء الاقصاء والرحيل بدون اي امل في العودة..
نضال معلوف