الجزء الثاني : البادري توما .. تفاصيل جريمة بشعة قتل فيها راهب مسيحي في حارة اليهود 1840
تقديم :
مازالت الذاكرة الشعبية في دمشق تحتفظ بقصة غريبة ومرعبة عن "فطير" يخبزه اليهود في عيد فصحهم ممزوجاً بدم مسيحي أو مسلم بعد قتله وتصفية دمه.
ورغم ان القصة قد لايصدقها عقل بشري الا انها حقيقية وتم توثيقها من خلال الباحث اللبناني أسد رستم (1879 ـ 1965)م، في كتاب نادر موجود في مكتبة سيريانيوز ، يدعى "الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد علي باشا" في جزئه الخامس تحديداً، من منشورات الجامعة الاميركية في بيروت كلية العلوم والاداب.
نقلها الباحث عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م، تحكي عن قصة خطف اليهود في دمشق للقسيس الفرنسي الجنسية المسمى: الأب (البادري) توما الكبوشي وخادمه الدمشقي إبراهيم عمار (أمار)، في شباط من عام 1840م، وذبحهم لهما، وإرسال دمهما إلى كبير الحاخامين ليدخلوه في خبز الفطير الذي يوزعه الحاخامون على الأسر اليهودية في عيد الفصح السنوي.
سيلاحظ القارئ أن الوثيقة التي ننشر كامل تفاصيلها في هذه السلسلة ، كتبت بلغة هجينة بين الفصحى والعامية، كما أن حضور القنصل الفرنسي للتحقيقات، كون الراهب من رعايا فرنسا، والاهتمام بالقضية من قبل الحكومة في دمشق يدل على مدى نفوذ القنصليات الأجنبية في الدولة العثمانية.
في الجزء الاول اختفى البادري توما في حارة اليهود وكذلك اختفى خادمه عندما ذهب ليسأل عنه ودارت الشبهات حول سليمان الحلاق الذي وجد ورقة من الاوراق التي كان البادري يقوم بلصقها لامر يخص الكنيسة ملصوقة على جدران محله بطريقة مريبة ..
الجزء الثاني ..
فحصل القبض على الحلاق المرقوم صاحب الدكان وتعلقت الإرادة الحكمدارية بفحصهِ، وحصل التدقيق بالأوجه الموجبة لإقراره، فلم يجيب بشي سوى أن الورقة كان لاصقها البادري نفسهُ، وتوجه من وقتها فسئل عن الورقة كيف لصقها البادري؟
فأجاب أنهُ لصقها ببرشانتين،
فسئل عن لونهم،
فأجاب أن الواحدة حمرة والأخرى ليلكي.
فسئل أنهُ أولاً من أين علم لون البرشان مع كونهِ تحت الورقة، ثانياً أن المحل الملصوقة بهِ الورقة عالي ولا تطوله يد البادري؟
فقرر أنهُ من كثر لعب الناس بالورقة خشي ليلاً تسقط ولذلك نقلها على محلها الأول ووضعها بالمحل المرتفع.
فحصل قلع تلك الورقة من محلها فوجدت حقيق ملصوقة في برشانتين فقط، أحدهم حمرة والثانية لونها ليلكي، كما قرر عنها الحلاق، ثم كشف على الورقة الذي كان لاصقها البادري على باب كنيسة الإفرنج وجدت ملصوقة بأربعة أطرافها في برشان أبيض الذي دائماً يوجد نوعه فقط عند الرهبان المرقومين، لأنهم لا يستعملوا برشان ملون.
فمن تقارير الحلاق ومن اختلاف لون البرشان ولصق الورقة مغايرة، إلى لصق الورقة التي وجدت على كنيسة دير الإفرنج حينئذٍ قويت الشبهة على الحلاق، وأنهُ لا بد يعلم خبر القضية، فطلب بأن يقرر الصحيح حسبما توقع بهذه الدعوى، وتضايق بضرب الكرباج، فأعطى المذكور أولاً التقرير الذي يأتي شرحه.
يوم الجمعة في 11 ذي الحجة سنة [255] أحضر سليمان الحلاق وتضايق عليهِ بالكلام أن يقر بكيفية وقوع هذه القضية على الصحيح، وحيث لم يحصل إفادة، أمر عليه بالضرب. وبعد أكم كرباج قرر أن حاخام مشون بيخار يهودا وحاخام مشون أبو العافية وداود هراري وأخوه اسحاق هراري وأخيهم هرون هراري ويوسف هراري ويوسف لنيادوا هولاي كانوا مجتمعين ومتوجهين داخلين في زقاق الثلاج، قدام بيت داود هراري بين الضهر والعصر، أنا لا أعرف الساعة باكم كانت، وذلك يوم الأربعاء الذي غاب فيه البادري توما، وكان البادري توما متوجه صحيتهم، ويحضرهم أفندينا وأنا اجاقمهم قدامه.
والآن عندما فات السنيور اسحاق بيجوتو سألني هل أررت بشي، قلت لاء. قال أنا بترجا فيك. ودشرني وراح. ولو كنت أعرف أنهُ لا يتشفع بي كنت من الأول قبل الضرب أقرر عنهم.
فأحضروا المذكورين واخذ كلٍ منهم لوحده وسئل عنما قرره المذكور وكلاً منهم أعطى جوابه المشروح كما يأتي ايضاحه.
تقرير يوسف لينادوا: أنهُ كان عنده بنت وتوفيت يوم الجمعة من مضي خمسة عشر يوم، وأنهُ عندهم آل الميت لبعد سبعة أيام لا يطلعوا من محلهم، ولذلك هو كان باقي مقيم في محلهِ ما طلع منهُ ليوم الخميس ضحوة نهار قريب الضهر وأنهُ ما عندهُ خبر شي من ذلك.
تقرير اسحق هراري: أنهُ ليس لي علم ولا خبر وأنا حاضر، واليهودي الحلاق حاضر أيضاً، ونحن جماعة تجار بياعين شرايين ولسنا أهلاً لشي من ذلك، ولا شفت ولا نظرت ولا أعلم شي من ذلك كلياً.
تقرير داود هراري: أنهُ من شهرين أو ثلاث لا شفت البادري توما، وليس لي علم ولا كنت بهذه الجمعية مع المذكورين، وصحيح بيتي في حارة الثلاج، ولا أعلم انكان صار اجتماع المذكورين أم لاء.
تقرير يوسف هراري: أن بيتي في حارة الثلاج، وأنا رجل اختيار، ولا أطلع من بيتي إلاَّ القليل، وهذا البادري من ثلاثة أشهر ما نظرتهُ، وأنا متربي مع النصارى ونمت عندهم ويناموا عندي.
تقرير الحاخام مشون أبو العافية: أنا بالسوق برجع لبيتي من القساطلية قريب المغرب، وليس من هذه الحارة حتى بالجمعة لا يصدف أفوت منها مرة، وهذه الجمعية ما هي جمعيتنا، حتى من ستة أشهر ما اجتمعنا كلنا سوية، ومشينا سوى. ولكن الإنسان ينسى ربما تكون صدفة تصادفنا، بوقتما نظرنا المذكور، وبعدها افترقنا كل منا لمحلهِ. وأما البادري توما منذ شهر ونصف أم شهرين ما نظرتهُ ولا رأَيتهُ، ولا عندي علم من المذكورين انكانوا اجتمعوا أم لاء.
تقرير هرون هراري: أنا بيتي صوب بيت قونسلوس الانكليز، والقليل حتى أتوجه لصوب أخوتي لتلك الحارة، وقبل ذلك بثمانية أيام ما نظرت هذا الحلاق، ونحن أهل عرض مستورين ولا نطلع من السوق [إلا] لقريب الغروب، فمن أين اجتمعنا كلنا السبعة بهذه الجمعية؟ وهذه المادرة لا أصل لها، وإنما ربما من ضيق المذكور هكذا قرر. ولو كنا اجتمعنا لكنا نقول أننا كنا وشفناه، ولكن ما توقع ذلك أبداً.
أحضر سليمان الحلاق بحضورهم، وسئل فقرر أمامهم مخاطباً لهم أنني رأَيتكم قدام البيت المذكور، وهم كل منهم يخاطبه أنهُ يا حبيبي آأنت شفتنا، أطلب من الله يخلصك.
قرر يوسف لينادوا أنا عندي بيّنة بموت ابنتي، وكان عندي موجود ليلة الخميس عيسى المخول، ومتى غبريل، يشهدوا بذلك.
والباقي قرروا أن تقرير سليمان المذكور لا صحة لهُ، وهم لا يطلعوا إلى بيوتهم من السوق بذلك الوقت، بل لقبل الغروب حتى يتوجهوا لمحلاتهم.
ثم حضر حاخام مشون بيخار يهودا سلانيكلي وسئل، فقرر أن ليس لهُ علم ذلك، ولا اجتمع مع المذكورين ولا يعلم انكانا اجتمعوا أم لاء، وأنهُ هو لا يطلع إلى بيته إلا من الساعة 10 ونصف إلى الساعة 11 [كانت الساعة 12 هي ساعة غروب الشمس بالتوقيت العربي، أي أنه خرج قبل المغرب بساعة أو ساعتين]، وأنهُ ما نظر يومها البادري توما ولا شافه.
ومن كونه ما ظهر نتيجة من ذلك، وحيث وقعت الشبهة على المذكورين بتقرير الحلاق المذكور، فاقتضى حجزهم لأجل التحقيق. وحجروا يوم الأحد في 14 ذي الحجة سنة 255.
وحيث وقوع الشبهة القوية على الحلاق بالاطلاع على هذه القضية فأُحضر وتضايق عليهِ بالكلام، وأخيراً أُمر عليهِ بالضرب، فعندها التمس التطمين على نفسهِ لكي يقرر الصحيح، فتطمن حكم التماسه، وقرر أن السبعة انفار المذكورين فوّتوا البادري توما إلى بيت داود هراري واحضروني من دكاني بعد المغرب بنصف ساعة، وقالوا لي اذبح هذا البادري، وهو مقيم عندهم بالمربع مكتف، فأبيت ذلك. ووعدوني بإعطاء دراهم. فقلت هذا ما هو شغلي. وبعد ذلك اعطوني الورقة وقالوا لي الصقها على دكانك، والذي اعطاها لي هرون هراري. وعندما مسكوني ليحضروني للسراي شافني داود هراري وقال لي اياك تقر بشي، ونحن نعطيك دراهم، والذي حضر ندهلي من الدكان هو مراد الفتال خادم داود هراري.
تحرر علم بطلب مراد المذكور، وتسلم لتوفنكجي باشه ليحضره، فسئل من سليمان المذكور أنهُ هكذا قررت بالأمس والآن كذلك، فانكان ذلك هو بحسب الضرب الذي حصل لك هكذا قررت أمس ولذلك اتهمت هولاي فنحن مرادنا تقرر بالصحيح ولا تخاف، ولا مرادنا تتهم الناس بالكذب، وانكان للقضية وجه آخر قول ولا تخاف.
قرر أن هذا هو الكلام الدوغري، اعرضته وقدامهم قلت ذلك أيضاً. سئل من الذي فتح لك الباب؟ قرر أن داود هراري هو الذي فتح لهُ الباب.
سئل هل بعد ما كلفوك لذبحهِ بقيت هناك أَم أين توجهت؟ فقرر أني ما بقيت هناك بل خرجت وتوجهت قفلت دكاني ورحت إلى بيتي.
فسئل إذا كان المذكور يعيط من ذلك المربع فهل لا ينسمع للخارج؟ جاوب أن حواليهم بيوت يهود فلا ينسمع، ومع وجوده ضمنهم لا يدعوه يعيط.
سئل هل أن أجيره كان معهَ أم لا؟ جاوب أنهَ ما كان معهَ، بل خلاف هولاي قضوا أمره بمعرفة هولاي.
يتبع ..