من يصنع التاريخ في سوريا منذ اول يوم في الاستقلال هو الجيش، هكذا قال الاسد في خطابه الاخير امام ضباط الجيش.
وهنا يجب ان نقوم بمراجعة عن دور الجيوش في حياة الشعوب وماذا حققت لها خلال العقود الماضية منذ الاستقلال.. ليس في سوريا فقط، من الجزائر الى العراق ومن سوريا الى السودان..
لمشاهدة التقرير على قناة اليوتيوب .. اضغط هنا
لن ادخل في التفاصيل كثيرا ولكن النتائج واضحة امامنا، فاذا كان الجيش هو الذي يصنع التاريخ ويخط الاحداث فقد كان تاريخ المنطقة مرحلة انحطاط وتفكك نعيش اثاره الكارثية اليوم فهل يتحمل الجيش المسؤولية؟
نعم انقلب الجيش في سوريا كما في اكثر من دولة من دول المنطقة على الشعب ووقف في مواجهته، ولكن هل الجيش عندنا هو صاحب القرار؟
الحقيقة رغم ان الجيوش في النماذج الموجودة في المنطقة تلعب دورا متشابها في الابقاء على الحكم الديكتاتوري المرتبط بمصالح خارجية اكثر منه ارتباطه بمصالح الشعوب، الا ان الجيش السوري شكل استثناء عن دور الجيوش الاخرى وذهب في مواجهة الشعب شوطا بعيدا..
في نماذج السودان موريتانيا الجزائر تونس مصر، كان يمكن ان يتم مواجهة الغضب الشعبي والحفاظ على الدولة بان يتم استبدال القيادات، يتم ازاحة الرئيس واستبداله برئيس اخر.. اما في سوريا لعب الجيش دورا غير مسبوق في التاريخ بحيث انه قام باستبدال الشعب عندما حدث الشقاق بين الشعب والقيادة..
فنصف السوريين اليوم يعيشون خارج سوريا واذا اتيح المجال للنصف الاخر سيهاجرون عن طيب خاطر ويتركون الحكم للحاكم والحلقات الضيقة المتنفعة من وجوده.
ونعود للسؤال هل الجيش هو من يحكم في سوريا..
الحقيقة لا.. لو كان هو من يحكم لنجح في استبدال القيادة، الجيش في سوريا يستخدم اداة للنظام وقياداته وضباطه مستبعدين تماما عن المشاركة في القرار الوطني..
واذا حاول البعض ايجاد حلول بديلة سيكون مصيرهم مثل مصير خلية الازمة المعروفة..
بشار الاسد ليس ابن المؤسسة العسكرية وهو حقيقة ليس له اي علاقة لا بالعمل العسكري ولا بالعلوم العسكرية التي وقف محاضرا في اكاديميتها يوم امس.. هو اقحم اقحاما فيها وكما تم تعديل الدستور في خمس دقائق ليصبح رئيسا ايضا اصبح فريقا وقائدا للقوات المسلحة في خمس دقائق.. فعمليا هو خارج اطار الجيش.. وهو يحكم باستخدامه كأداة..
عموما الجيوش في بلداننا كانت سببا مباشرا في ازمتنا التي نعيشها اليوم وكانت العائق الاساسي في طريق بناء الدولة الحقيقية، وهنا لا بد ان نعود الى اصل هذه الجيوش وكيف تشكلت ومن يمسك بزمام الامور فيها.
عمليا لم يتح لشعوب المنطقة ان تبني دولة فيها سلطة شرعية تمثيلية يخضع الجيش لحكومتها واذا شاركت قياداته في رسم معالم الاستراتيجيات فالمشاركة تكون لحفظ امن الوطن وسلمه.
والمشكلة نظريا واضحة في بلداننا، بدأت الامور بحكم استولى على السلطة وتكريس هذه السلطة كحاكم اوحد للبلد هو حكم لا يكتسب شرعيته من الداخل من الشعب لان الشعب لم يكن له اي دور في اختيار الحاكم وممثليه في الحكم في كل المستويات، وبالتالي الارضية التي يقف عليها ضعيفة وهشة ولا تصلح لكي يقف عليها طويلا فيمد يده الى القوى الخارجية ليبقى واقفا ليبقى في الحكم ويصبح يمثل بفعل المصلحة، مصلحة البقاء في السلطة مصالح القوى الخارجية وليس مصالح الشعب.. وعندما تتضارب هذه المصالح سيعمل على تغليب مصالح القوى الخارجية على مصالح شعبه.. ولو اضطر الى تدمير البلاد عن بكرة ابيها..
في حالة البلدان التي يتحكم فيها الجيش هناك حد ادنى من المرونة بحيث يوجد امكانية لاستبدال القيادات كما ذكرنا لاستبدال الرئيس وانتاج رئيس اخر يخفف الاحتقان ويعيد بعض الرضى لقطع مرحلة اخرى بهذا الحال الشاذ الذي لا يمكن ان يستمر الى الابد..
وان كان النموذج السوري هو الاسوأ في المنطقة، حيث ان الجيش تحول الى اداة مثله مثل اجهزة الامن وباقي الادوات القمعية للنظام، لكن حتى في باقي النماذج لا يمكن ان تستمر الشعوب تحت حكم لا يمثلها الى الابد، التاريخ يقول بان هذا مستحيل وسيعود الغضب والاحتقان والثورة مرة بعد مرة حتى تصل هذه الشعوب الى صيغة يمكن ان تمثل الحد الادنى من مصالحها وتفسح المجال لتمسك هذه الشعوب بزمام الامور في الواقع ويكون لها دورا في رسم مستقبل افضل للاجيال القادمة.
نضال معلوف