بلال : قصة الصحابي الجليل .. رسالة حضارية وهدف مختلف

21.07.2018 | 13:56

مراجعة : عبد الكريم انيس 

لا يمكن لعينك أن تغفل اهتمام صانع فيلم Bilal: A New Breed of Hero بالتفاصيل، التفاصيل التي تنبض بالحياة، وتلك التي تقضي عليها كذلك، فمنذ اللقطة الأولى لمشهد انتاش زهرة جميلة ومن ثم تفتحها لتأخذ شكل الكمال في الجمال، إلى حين يتم دوسها بسنابك حصان يمتطيه أحد الذين يقومون بغارة ما، في زمن بعيد، للسرقة والنهب والأسر والسبي وقطع أوصال عائلات كانت سعيدة لتزرع ألم الفرقة في وجدان فرد سيكون جذوة ثورة في مستقبل قريب.

عند التدقيق بنقوش الملابس تشدك المخيلة الواسعة لتصميم الأزياء وكذلك لابتكار الأوابد الحضرية والدينية والتفاصيل المتناثرة في حياة الناس العاديين، في أسواقهم وحلهم وترحالهم، وكذا الأمر بالنسبة لحياة السادة في منازلهم ومقتنياتهم رفيعة الذوق، في مجتمع طبقي كمجتمع مكة، ولابد حينها أن يلفت انتباهك الموهبة الاحترافية الكبيرة للفنان الباكستاني Khurram H. Alavi  الذي يبدو أنه سيتحفنا بالقريب العاجل بأبطال آخرين سيخرقون السيطرة الشاملة لمحتكري هذا النوع من المؤثرات البصرية المذهلة، والتي تستطيع أن تشد انتباه المشاهد لدقة تفصيلاتها وقدرتها الكبيرة المؤثرة في مخيلة عالم الأطفال خصوصاً، والكبار عموماً، خاصة أولئك الذين لا يعرفون عن مجتمع مكة سوى أنه كان مكاناً صحراوياً منعزلاً عن حواضر العالم القديم ويسِمونه دوماً بالبداوة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحراء وقسوتها.

في فيلم "بلال: بطل من فصيل جديد" نستطيع أن نتلمس ولادة حقيقية لفن الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد الذي أهمله قطاع الإنتاج العربي لوقت طويل، ونستطيع كذلك تلمس ولادة فنية للرسوم المتحركة بعيون وإنتاج عربي، وبتذوق رفيع للمحتوى. وهنا لابد من توجيه تحية كبيرة للمنتج والمخرج السعودي أيمن جمال وشريكه في الإخراج الفنان الباكستاني خورام، وفريق عملهم المحترف، على هذه الخطوة الرائعة والجريئة والتي أعتقد أنه سيكون لها وقع هائل في هذا المجال، ما سيفتح لنا الباب كي نشاهد تنافساً في المحتوى ذاته لكن من زوايا ورؤى متعددة لحوادث مختلفة لم يتم التطرق لها إلا من أبواب وعظية خرجت عن سياق زمانها.

من العبودية إلى الحرية الكاملة

يروي الفيلم قصة الصحابي الجليل بلال بن رباح، أول مؤذن في الإسلام، ويحكي لنا بتدرج عن عمق النقلة النوعية التي شكلت طفلاً تم أسره مع أفراد من عائلته ومن ثم استعبادهم وبيعهم في أسواق مكة، في عالم كان يعتمد نظاماً طبقياً واجتماعياً جائراً.

في مكة المدينة المعقدة حضرياً وطبقياً ما قبل الإسلام، المدينة التي كانت تجمع بين شرف القيادة الدينية وسيادة التجارة في العالم القديم آنذاك، كبر بلال، وكبرت معه أحلامه بالحرية.

ينقل الكاتب والمخرج والمنتج السعودي أيمن جمال في نص وسيناريو جميلين الفكرة الأساس التي قام الفيلم لأجلها ألا وهي مناقشة فكرة الحرية البشرية، ونقيضها الاستعباد بمختلف أصنافه الذاتية والاجتماعية والطبقية، فيصور لنا انتقال بلال من عبد أسود تم استرقاقه، حمل قضية الحرية والتحرر، ليصبح سيداً حراً تعالى فوق جراحه، وتخلص من قيود العبودية والذل والكراهية ونار الانتقام ممن أذله، سيد يقول فيسمع له الجميع رأيه ومشورته.

الحرية في أرقى أشكالها أن تكون صافياً من الشوائب، غير مقيد ولا أسير للماديات، وتتسامى حين تنتصر فوق الآلام والأحقاد الشخصية، وقد تجلى هذا رائعاً في مشهد اللقاء الأخير بين بلال وسيده القديم صفوان، الذي أذاقه كل أشكال المهانة والسخرية والاستهزاء، حينها أغلق بلال الدائرة التي قد تظل تدور وتتكرر حتى انتهاء حياته كطاحون هواء، فقطع عنها ما قد يمكّنها من الاستمرار بالحراك وعفا عن سيده، بعد أن قدر عليه، وما لبث أن كوفئ بأن استعاد فرحة اعتقد أنه خسرها، كانت تملأ عليه حياته نوراً وفرحاً ومحبة في مرحلة العبودية بكل اشكالياتها.

يقول صانعو الفيلم في بدايته إن الفيلم وازن بين الرواية التاريخية مع الحبكة الدرامية؛ للحفاظ على جوهر العمل الفني حيث يسعى بطله للثورة على مجتمع ظالم  يؤثر المصالح والمرابح المادية على القيم، مجتمع مثقل كذلك بالآلام والأحزان مع نضاله ليحصل على الحرية والمساواة على حد سواء.

 

رموز ومؤثرات

هناك حيوانان في الفيلم يمتلكان في الثقافة العربية الكثير من الخصائل التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسمات الإيجابية للإنسان، فالحصان العربي الأصيل كائن يمتلك من النبل والاعتداد بالنفس والجمال ما جعله في الثقافة العربية نظيراً لكل فريد وجميل، وكذلك الصقر الطائر الحر الذي يعرف هدفه جيداً ويرنو إليه بعينين واثقتين وجارحتين تصيبان الهدف أينما ذهب وكيفما حاول الإفلات أو الفرار وبالتالي هو ينال بغيته وطريدته في غالب الأحوال إذا ما ركز بصره عليها.

كان الانفاق على الفيلم مجزياً وسخياً ما انعكس بطريقة أو بأخرى على كل مناح الاحتراف والجمال الذي ستتابعه في دقائق الفيلم التي تخطت بطولها أي فيلم عربي للأطفال، والذي تخطى بدوره عتبة الترفيه ليكون فيلماً توثيقياً يحمل صبغة الرسالة في كبسولة زمنية بصرية عن حوادث حدثت في زمن سابق بعيد.

هدف مختلف

هناك ملاحظة لابد من الإشارة لها، ألا وهي أن الهدف من الفيلم ليس ما ينتظره الجمهور العربي، الذين يعرفون القصة وأبعادها الدينية، بل كان الفيلم رسالة حضارية للجمهور الآخر عموماً والذي يجهل الكثير من الشخصيات في مجتمع كان يطلق عليه مجتمع الجاهلية، هذه الشخصيات كانت صاحبة قيم عليا على المستوى الشخصي، وتحمل همّ القضايا العامة على حد سواء، خصوصاً وأن الساحة العربية والإعلامية اليوم تضج بكافة أنواع الجدل بخصوص الإسلام والحرية والأفكار التي نادى فيها الفيلم منذ بدايته بعدم الإذعان للظلم مهما كان وكائناً ما كان مصدره، واختلطت فيها تعقيدات السياسة والمصالح، وظهر تشدد يثير الغضب كان أحد أهم أسباب ظهوره وانتشاره اختلال ميزان العدالة في العالم.  

أخيراً:

فقد استلزم التحضير للفيلم حوالي سبع سنين حتى خرج للنور كأول إنتاج لشركة Barajoun Entertainment بتاريخ الثامن من أيلول لعام 2016 في الإمارات العربية المتحدة.

 

بإمكانك مشاهدة الفيلم الدعائي بالضغط هنا  (Official Trailer:Bilal)  
 


TAG: