ارحل ارحل .. هل يرحل بشار ؟
من التصريحات البارزة التي اخذت صدى في احداث قمة ال 20 هو تصريح وزير الخارجية تيلرسون الذي اشار الى انه "لا دور لعائلة الاسد في مستقبل سوريا".
لا اعلم اذا كان هناك أي اهمية حقيقية لهذا التصريح او حتى لبقاء الاسد او رحيله ونحن قد دخلنا العام السابع من الازمة.
لنعود الى الخريطة التي تبين لنا واقع الامر في سوريا اليوم.
تقريبا 70% من مساحة سوريا اصبحت خارج سيطرة "الدولة" المركزية و"رحلت" هي عن حكم الاسد ..
الاكثر من ذلك يجب علينا ان نسأل ماذا يملك الاسد اليوم من القرار حتى في مناطق سيطرته ؟
كما نرى اليوم لا نسمع الا ان "الولايات المتحدة وروسيا قررت .. " ، "تركيا وروسيا وايران اتفقت .. " .. الولايات المتحدة وروسيا والاردن توصلت .. " ، تركيا دخلت .. " ، القوى المدعومة من الولايات المتحدة سيطرت .. " ..
هناك غياب كامل لدورالنظام السوري ( كما للسوريين ) في كل القرارات الهامة ( والاقل اهمية ) وبات هذا النظام ورأسه وكيلا، كما اسلفت في مقالات سابقة ينفذ الجانب المتعلق باتفاق "الاصيل".
كما يتفقون اليوم على توزيع "الارض" والموارد .. يمكن ان يتفقوا على بقاء الوكيل او رحيله .. اصبح هذا القرار كليا في يدهم.
في المقابل اذا فكرنا في مصير السوريين الذين يعشيون في مناطق سيطرة النظام ماذا سيكون مصيرهم اذا "رحل" الاسد اليوم؟
اذا فكرنا مليا بشكل عاقل بعيد على العواطف والرغبة في "الانتقام" سنجد بسهولة بان بقاء الاسد اليوم هو الضامن الاساسي ( ربما الوحيد ) لحياة السكان في اربعة مدن كبرى.
ربما رحيله في بداية الازمة كان ليتسبب في حالة ما من عدم الاستقرار ولكن اعتقد بانه في ذاك الوقت كان يمكن السيطرة على الامور ولو دخلنا في مرحلة اضطراب قد تطول او تقصر.
اما اليوم بعدما تم زرع كل هذه الكراهية والشقاق والرغبة في الانتقام وجاء الى سوريا كل من هب ودب على كل شكل ولون وتدفقت الاموال من كل حدب وصوب لتعمل في خدمة مشاريع خارجية لا تصب في اكثرها في مصلحة السكان السوريين .. فان غياب الاسد المفاجئ قد يتسبب في كارثة كبرى قد يبدو كل ما قبلها صغير ..
كلنا يعرف بان الدولة السورية اساسا دولة "الشخص الواحد" وزادت هذه المركزية في السنوات التي سبقت الازمة حيث اصبحت سيطرة الاسد على كل مفاصل الحكم تامة ، واصبحت مركزية مطلقة على شكل الحكم "الستاليني" خلال سنوات الازمة بحيث ان كل تفاصيل حياة المواطنين في مناطق سيطرة النظام معلقة بشخص الرئيس ..
نتذكر كلنا قبل بضعة ايام كيف ان وقف اعتداء الجماعات والمليشيات التابعة للنظام نفسه على الناس كان بحاجة لتدخل شخصي من الرئيس ، وكيف ان ازالة "الفيميه" من على السيارات كانت بحاجة لتدخل الرئيس ونعلم ان قطع الكهربا وفتح الماء وسعر الدولار وحتى تحديد سعر البندورة يكون بامر الرئيس .. ..
تخيلوا معي لو ان اليوم تم اعلان غياب الرئيس لاي سبب من الاسباب .. ماذا سيحدث في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وحمص ..
يجب ان نجري مثل هذه الحسابات اليوم ان احببنا او كرهنا بقاء الاسد او رحيله في هذه المرحلة .. خاصة بان الامثلة والنماذج التي وجدت في المناطق التي خرجت من سيطرت النظام لم تكن مشجعة على الاطلاق.
اليوم اذا كنا صادقين وسألنا في ادلب او الرقة او حتى درعا عن تجربة السكان مع "الحاكمين" الجدد الذين ظهروا على الساحة ستكون الاجابات مفاجئة للكثير منكم.
هذا لا يعني ان "الاسد" جيد .. ولكن لنعترف بواقع الامر .. هذا يعني بان "الاسد" نجح في خلق بدائل اسوء من حكمه ويعني بانه الحكم السيء الذي خرج السوريين ليغيروه يتمتع بميزة عن الحكم "الجديد" ( الاسوء ) الذي فرض نفسه جراء الامر الواقع وهي ميزة "مركزية" السلطة والقدرة على تنفيذ القرار من رأس الهرم باتجاه الاطراف وهذا مفقود في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة ( الجيدة منها والسيئة ).
الجماعة الوحيدة التي تبدو منظمة وقادرة على ضبط الامور ما عدا "دولة الاسد" هي قوى "سوريا الديموقراطية" وهي القوى التي تدعمها الولايات المتحدة عسكريا واداريا ويتحقق استقرار مقبول وحياة مدنية معقولة في المناطق التي تسيطر عليها ..
لا يهم اليوم ان بقي الاسد او رحل .. اعتقد ان هذا الموضوع لم يعد ذو اهمية .. اليوم يجب العمل على ضمان سلامة وامن واحتياجات السكان الذين عانوا ما عانوه واكثر ما عانوه غياب السلطة الفوضى وتسلط الجماعات "العشوائية" على حكم مختلف المناطق ..
منذ اليوم الاول للازمة عمل النظام الحاكم ( العائلة ) على مطاردة وقتل واعدام كل بديل ممكن يمكن ان تساهم في ايجاد نماذج تشجع المناطق والمدن الاخرى على التخلص من حكم الاستبداد .. ويجب ان نعترف بان النظام نجح في هذا ليس لانه يمتلك المهارات والقدرة بل لان كل الاطراف الدولية مع الاسف كانت تسعى في هذا الاتجاه ..
ولكن علينا اليوم ان نتعامل مع الواقع وان نتحلى بالمسؤولية للحفاظ على ما تبقى من حياة السوريين بغض النظر عن العداء السياسي مع طرف من الاطراف او حتى الحالة "الثأرية" التي يعيشها معظم السوريين خصوصا تجاه نظام الاسد ..
هل يرحل الاسد .. باعتقادي بانه سيرحل وهي قضية وقت .. ولكن ليس كل الكلام الذي نسمعه عن "السياسيين" بعيد عن الواقع والحقيقة ، قد يكون بالفعل اليوم ليس في مصلحة السوريين رحيل الاسد.. ليس قبل اكتمال "المخطط" الذي لم يكن لنا أي دور في ايجاده .. ووضع القوى البديلة الفاعلة على الساحة اليوم يدها على المناطق المتعددة بعد ان تتفق فيها بينها على توزيع الحصص والمنافع ..
مؤسف ان نتكلم بهذه اللغة ولو كان الرئيس في سوريا وغيرها من البلدان موجود بإرادة الشعب لم يكن ليستطيع لصوص اقتسام ارضنا وتحديد مصير "رئيسنا" على بعد آلاف الكيلومترات في الاستانة او جنيف ..
ولكن لما يكون الرئيس وكيلا كان له الدور الاكبر فيما وصلنا اليها من واقع مأساوي .. لا يمكننا الا ان نتعامل مع السكان الذين ما زالوا تحت وصايته ( كما هؤلاء الذين تحت سيطرة العصابات مثل داعش وغيرها ) على اساس انهم رهائن .. وان نستمر في التفاوض والمحاولات لتحريرهم على شرط ضمان سلامتهم والابقاء على حياتهم ..
هل يرحل الاسد .. ؟ سؤال اليوم لم يعد له معنى بعد ان اصبح الاسد مثل البغدادي والجولاني وعلوش .. تحصيل حاصل .. يبقى ويرحل بقرار يتخذ في عاصمة بعيدة وينفذ بصمت ينهي مصيره .. بعصا نتخذه او حفرة ينتشل منها ويساق الى مصيره المحتوم ..
رئيس التحرير
نضال معلوف