مساهمات القراء
فرصة لن تتكرر للشعب ... بقلم: منذر المنذر
في ذاك اليوم.. يوم الأحد التاريخي.. يوم الأحد المفصلي.. يوم الاحد الاستثنائي.. تابع الكون بأسره سقوط التمثال المرعب.. تابع العالم هروب نظام ديكتاتوري متمكن.. صُدِمَ الناس بهول مفاجأةٍ وحَدَثٍ جلل لم يكن أشد المتفائلين يراه قد يسير على هذا النحو اليسير بتوفيق من الله.. ولم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يرى ذاك الأحد الذي يسقط فيه الأسد.
اذاً. حدث ما حدث واستفاق الجميع. نعم الجميع بلا استثناء، على مرحلة ما بعد.. على توقعات ما بعد.. على صدمة ما بعد.. على تخوف ما بعد.. على استنكار ما بعد.. على أمل ما بعد..
وبحكم الزلزال الذي حدث، بتنا جميعا نتجه الى الاخبار، والتحليلات، والتكهنات، والمطالبات. ومع زيادة هامش الحرية في التعبير. بات الأغلبية ينصّب نفسه في موقع يتمناه ربما ولو لم يحققه، فمنا الرئيس ومنا المسؤول ومنا الوزير، والصحفي، والشيخ ربما، والمُعارض، ومنا النقابي..
لا مانع في كل هذا، فالجميع يرى من منظوره ورؤيته ما هو الأفضل والأنسب والاجدر. لكن النتيجة بعد الهدوء، هي عودة كل منا الى عمله وموقعه وحياته، حتى لو وُجدَت بعض المعوقات بسبب رواسب من النظام البائد او بسبب الفوضى المنتشرة هنا وهناك.
وهنا نأتي الى الفرصة التي أُتيحت لنا كسوريين بعيدا عن أي شعب اخر او دول أخرى. نعم هي فرصة لن تتكرر لكل من ينتمي لهذا الوطن ويغار عليه ويطمح في رفع اسمه عاليا.. فبعيدا عما يجري على الساحة السياسية الممزوجة بالعسكرية في الوقت الحالي.. وبعيدا كيف ستؤول الأمور، ولو بعد زمن ليس بالقصير. وبغض النظر من سيحكم ومن سيدير شؤون الدولة... ألا تجدون معي انها فرصة لإعادة بناء الدولة وبناء المجتمع وتطهيره من الفساد. كلُّ في مجاله، وعمله ومنصبه ووظيفته.
فمن المتعارف عليه، أن احداً إذا اشترى منزلا، فانه يفضّل ان يكون هذا المنزل قديما مهترئا كي يعيد بناءه من الصفر. وان لا يدّخر أي مجهود او دعم مالي كي يخرج هذا المنزل والبناء على النحو الذي يشتهيه ويطمح له. وهذا هو حال بلدنا الان، بنية تحتية مهترئة (ان وجدت)، وزارات ومؤسسات وشركات استشرى فيها الفساد وعبث بها. وقد وجد كل منا بموقعه فرصة البناء والعمل وتشييد الأساس العملي والعلمي والأخلاقي والمجتمعي الصحيح.
فلم لا نعاهد أنفسنا على التغيير الفردي الداخلي.. في أي منصب أو أي مجال نحن فيه.. من أدنى مرتبة في هيكلية العمل الى أكبر واعلى المراتب. فالعامل يعمل بجهده الكامل وبإخلاص كي ينجز عمله على الوجه الصحيح وينال اجره، والموظف يترفع عن الرشاوي وعن الإيقاع بزميله وخلق المشاكل، والمدير لا يأكل حقوق موظفيه، والمعلم والجابي والمحاسب والرئيس والوزير.
ويترافق ذلك رفع المظالم وعدم اكل الحقوق والتعايش بأمان مع كل أطياف مجتمعنا (الا من أراد ان يعيش على فساد هنا واحتيال هناك وظلم لمن حوله).
هي مهمة ليست بالمستحيلة، ولا تخلو من منغصات، لكن كلما اجتهدنا عليها مجموعات وفرادى، كلما بدأنا في بناء المجتمع السليم قدر الإمكان، وهذا المجتمع كلما نجح كلما نبذ الفئة الشاذة التي لا تستطيع الاندماج ضمن هذا التغيير والبناء الجديد. هي معادلة بين الشعب والحكومة، فكلما حَسُنَ حال المجتمع، كلما أصبحت الحكومة مطالبة بالمزيد من العطاء والعدل والدعم، بينما إذا فسد المجتمع والشعب قد تضطر الحكومات الى أساليب الظلم والقمع وقد تجابه الفساد بفساد أكبر ممنهج يكون لصالحها.
نعم، جميعنا نطمح ونحلم ونصرخ لأجل بناء سوريا الجديدة الحديثة.. لكن تأكدوا ان التجديد والحداثة يجب ان يكونوا على التوازي، في سياسات الوطن من جهة.. ومثلها يجب ان يكون التجديد في مجتمعنا وطريقة عملنا واخلاقيات التعامل من جهة اخرى. وعليه على كلٍّ منّا أن يعي وينتبه أنه أيضا في موقع المسؤولية من منزله ودراسته وعمله وطريقة مشاركته في مجتمعه وبلده، وألا نكتفِ فقط بتنصيب أنفسنا قضاة وناقدين ومحللين ومستنتجين ومتأففين وراصدين لما هو حولنا ولكل تصرف من هنا وهناك، معتقدين بأننا خارج نطاق المسؤولية والمشاركة والبناء الصحيح.
ولما كان السواد الأعظم من الشعب لا يملك من القرار السياسي شيء سوى الاماني والتحليلات والانتقادات والنقاشات. لذا، وبعيدا عما سيجري وما سيختار الله لنا في كيفية النهج السياسي والقيادي ولمن ستؤول بعد حين. إذاً لماذا ننتظر، وننتظر فقط.. فلنعمل على بناء أنفسنا مع من حولنا من أولادنا وأهلنا وطلابنا. الخ.. حينها أيا كانت المسارات السياسية.. سنرى مجتمعا سليما قويا غير هش، سيساعد في تنمية البلاد، وقد يساهم مع مرور الزمن بقوته في التأثير في المسارات السياسية لاحقاً.
وفق الله الجميع لما هو خير لنفسه ولبلده.
---------------------------------------------------------------
*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع
*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]