بانتظار المجهول...آلاف السوريين عالقون على الحدود المقدونية اليونانية
لم تتوقع سوسن ان تشعر بالبرد والجوع الذي تعانيه اليوم على الحدود المقدونية اليونانية الى جانب الالاف من طالبي اللجوء العالقين معها هناك بعد اغلاق السلطات المقدونية الحدود بوجههم ومنعهم من متابعة رحلة اللجوء الطويلة التي انطلقت من تركيا وصولا الى دولة أوروبية تؤمن لهم حياة كريمة يسعون اليها.
سوسن ( 39 عاما) ، خرجت من حي الرمل الجنوبي في اللاذقية منذ ثلاثة اسابيع، سالكة طريقا غير شريعة باتجاه تركيا عن طريق خربة الجوز في ادلب، نظرا لأن (رقية) زوجة اخيها المعتقل، قررت مرافقتها مع طفليها في هذه الرحلة ، وعلى اعتبار ان رقية فلسطينية الأصل فهي لا تستطيع دخول الاراضي التركية بطريقة شرعية الا بمعاملات طويلة الامد تتطلب مرورها الى لبنان التي يعتبر عبورها مستحيلا بالنسبة لها، فكانت الرحلة نحو تركيا ميسرة بعض الشيء رغم وعورة الطريق، ولحسن حظهما، كانت رحلة قارب الموت أيضا سهلة وبسيطة، لأن اختيار المهرب لتوقيت السفر جاء ملائما لحالة الطقس ، لكن المفاجئة غير المتوقعة ظهرت منذ أسبوع ،مع تجميد خط سيرهم نحو مقصدهم الى هولندا، وبقائهم مشردين على الحدود المقدونية في ظروف أقل ما يمكن القول عنها انها سيئة بالمطلق.
الآلاف من النساء والاطفال والرجال احتشدوا في قرية أدومين الحدودية ، عراقيون وسوريون وافغان وافريقيون والكثير من الجنسيات، لا يجمعهم شيء سوى خوف من مجهول ينتظرهم ، لاسيما وأن الاشاعات فتكت بالجموع هناك، فتارة يسود خبر عن اعادتهم الى تركيا، ومرة يسري خبر توطينهم في دول معينة، وتارة يسمعون أن جميع من أتى من مناطق النظام الآمنة كاللاذقية ودمشق وطرطوس، وحتى الاماكن التي عقدت هدنة او مصالحة مع النظام سيكون مصيرهم العودة.
تقول رقية لسيريانيوز أن "كثيرا من الفلسطينيين عادوا فعلا الى ديارهم في سورية, لكن جارتها في الخيمة المجاورة بشرتها بدنو طردها من المكان أسوة بمن سبقها من أبناء جلدتها", مضيفة "لا يهمني ماذا سيكون مصيري، المهم بالنسبة لي تأمين مستقبل جيد لأطفالي الذين تحملوا بأعمارهم الصغيرة مشقة السفر من اللاذقية الى هنا ".
رقية, التي ضاقت ذرعا من سوء الحال وعدم وجود بارقة أمل في اطلاق سراح زوجها المعتقل منذ فترة طويلة, تقول ان "المغامرة نحو أوروبا هي السبيل الوحيد للخلاص من وضع لا رجاء فيه".
الكثير من المنظمات والهيئات الانسانية تتواجد بشكل يومي مع العالقين في قرية أدومين الحدودية ، لكن ضغط اللاجئين الهائل وتوافد المزيد منهم يجعل أي عمل مهما كان عظيما ، يبدو في النهاية نقطة في بحر طلبات لا تنتهي، الطعام قليل والوجبات تقتصر على واحدة فقط تعتمد على الخبز والجبن ، لا مقومات للنظافة او الرعاية الصحية ، كما ان توزيع الخيم محدود حسب حاجة الاسرة وعدد الاطفال والنساء الحوامل اللواتي يتأملن ادخالهن عبر الحدود رأفة بوضعهن.
وتشير احصائيات غير رسمية وتقارير اعلامية ان عدد العالقين على الحدود قد وصل الى 13 الف شخص يعيشون في ظروف صعبة، فيما تخشى الكثير من الهيئات تفشي الامراض والأوبئة، نظرا للبرد الشديد الذي تصده خيمة صغيرة يستخدمها الرحالة في جولاتهم، تحاول الاسر دعمها ببعض الكراتين منعا لتسرب المياه الى ملابسهم وهم نيام.
وتشتكي سوسن من معاملة اللجان اليونانية المسؤولة عن توصيف وضع هؤلاء العالقين على الحدود، مشيرة الى "وجود مترجمين بلهجة لبنانية تعتقد انهم يوصلون المعلومات بطريقة خاطئة لتلك اللجان".
وتتابع سوسن "بتنا حائرين بكيفية التصرف هنا، البعض يقول لنا ان نرمي جوازات سفرنا ان كانت ممهورة بختم مرور الى تركيا، لدي ختم قديم منذ ثلاث سنوات أظنه سيسيء لي، والبعض يقول ان تفتيشا دقيقا سنتعرض له في حال قررنا اخفاء اوراق رسمية تخصنا لتسهيل مرورنا"، معربة عن اعتقادها بان "ما يجري مؤامرة دولية لإيقاف تدفق اللاجئين حيث نكون عبرة لكل من يفكر بان يحذو حذونا".
التشدد في منع اللاجئين من المرور, لا يعني ان الفساد لم يكن حاضرا بقوة في هذا المخيم المصغر، ثلاث مئة يورو لاحد الحراس كفيلة بالسماح لك بالمرور عبر الحدود، لكن سوسن ورقية لا تمتلكان هذا المبلغ، ولا يستطيع ذويهم في اللاذقية تأمينه لهما ".
تقول سوسن "كان لا بد من بيع منزل اخي لتأمين المبلغ اللازم للسفر، نحن الان بلا شيء ، لقد نسوا اننا هاربون من ظروف صعبة, ولو كان معيلنا موجودا لما فكرنا بهذه المغامرة الشاقة", مضيفة أنها "لم تتوقع مثل هذه المعاملة والمصير في بقعة لا مقومات للمعيشة فيها بدءا من دخول الحمام وصولا الى مستلزمات النوم والدفء".
انتظار أي خبر ينبئ بانفراج قريب يعتبر بارقة أمل يعيش عليه العالقون على الحدود المقدونية، فهم يرون في القمة الأوروبية التركية التي عقدت في السابع من الشهر الجاري فرصة لإيجاد حل يسمح للسوريين بمتابعة طريقهم نحو الدول الأوربية المنشودة، أو يقضي بعودتهم الى تركيا مرة أخرى، ويبقى الجواب النهائي معلقا حتى السابع عشر من الشهر الجاري، حيث سيصل الطرفان الأوروبي والتركي الى اتفاق نهائي بشأن قضية اللاجئين، مما ينبئ باستمرار الكارثة على الحدود المقدونية اليونانية عشرة ايام على الاقل.
سيريانيوز